لست وحيد أهلي، ولست البكر، لكنني لطالما كنت المفضل عند والدي وشقيقاتي بسبب طباعي ومرحي وحبي للجميع وتفوقي بدراستي وهدوئي واهتمامي بالصغير قبل الكبير. فأنا لا أحب أن أرى الحزن على وجه أحد، كنت كاتم أسرار شقيقاتي وموضع ثقتهن. كنت محط اهتمام الجميع إلا شقيقي الذي كان يحذرهم من اهتمامهم الزائد بي. كنت أعتقد حينها أنه كان يغار مني، فالكل يتكلم عني وعن كرم أخلاقي وشهامتي، عن حبي للحياة وزيارة كل الأقارب دائما، عن تخصصي المستقبلي في مجال الطب، فكانوا يتخطون شقيقي ليقولون أحمد سيصبح طبيبا وهذا شيء يليق به. وكانت عائلتنا تسأل عني بشغف، وترتسم البسمة على وجوههم بمجرد أن يذكروا اسمي، أما شقيقي فكانوا بالكاد يذكرونه، فطباعه مختلفة عني، منغلق على نفسه يحب أن يجلس في غرفته يقرأ ويصلي ويذهب إلى العمل. كنت كلما دخلت إلى غرفته أجده يقرأ آيات من القرآن الكريم. أجلس معه فلا يكلمني بل يبدأ بإعطائي دروساً في الأخلاق والدين، الجنة والنار، عذاب القبر والآخرة، والنصائح التي لا تنتهي فأتحجج بموعد ما لأتركه وأخرج، صحيح أنني كنت لا أفوت الصلاة، لكني بنفس الوقت أعيش حياتي ككل شاب بسني، صحيح أن أكثر ما كان يهمني عندما أصبحت في الثامنة عشرة هو أن أكون حلم الفتيات لكن أليس الجميع هكذا، لكنني للأسف تماديت بهذا، فقمت باقتناء أرقام مميزة لهاتفي وسيارتي التي طلبتها من الشركة بمواصفات خاصة تلفت أنظار الشباب قبل الفتيات، أصدقائي الكثر كانوا يتسابقون للبقاء معي، كنت أصحبهم للعشاء في المطاعم الراقية في البلد ثم نتوجه لتدخين الشيشة في الأماكن المزدحمة حيث كنت أتعرف إلى الكثير من الفتيات هناك، وكان سهلا عليّ أن أحصل على أرقام هواتفهن، كنت أتكلم مع ثلاث أو أربع دفعة واحدة، كنت أتسلى معهن ولا أحسب حساب شيء. لم تردعني أخلاقي ولا تربية والدتي الفاضلة ولا ديني بأن أكون سيداً محترماً، فقد كان الغرور بشكلي وثروتي قد طغى على كل شيء. نسيت في غمرة المقاهي والسهرات أنني ابن عائلة محترمة ومتدينة.
كنت قد بدأت أحب حياتي الجديدة وانتقالي من فترة المراهقة إلى مرحلة الشباب. أعجبتني غيرة أصدقائي مني عندما يرون الفتيات ينظرن إليّ نظرة إعجاب ويرسلن لي أرقام هواتفهن، ويا ليت الوضع بقي على ما هو عليه، فقد انجرفت أكثر بتيار رفاق السوء فقد بدأوا يجرون قدمي إلى ما هو سيئ وخطير فعلا، ففي يوم قال لي أحدهم وكان مقربا مني نحن مدعوون الليلة إلى منزل أحد أصدقائنا القدامى هل تريد أن تأتي معنا، قلت أنا لا أعرفه أجاب ستتعرف إليه، وسيعجبك أنا متأكد من ذلك فهو مرح وطيب وحفلاته يتمنى الجميع الذهاب إليها فهو بارع بذلك، تعال نذهب وان لم يعجبك الجو نذهب إلى مكان آخر، وافقت وتوجهنا إلى هناك، فوجئت بعدد السيارات الموجودة وشكلها، فكلها سيارات فارهة رياضية سريعة وجديدة، دخلنا فوجدت أن عدد الفتيات يفوق الشبان بكثير فتيات من كل الجنسيات، الشقراء والسمراء، الصغيرة والكبيرة، النحيفة والسمينة، القبيحة والجميلة، العربية والغربية، كانت الموسيقا عالية، وجميعهم يرقصون خرجنا إلى حيث يوجد المسبح فوجدنا عدداً أكبر من الناس، كانت ضحكاتهم تملأ المكان وتكاد تطغى على صوت الموسيقا، وفجأة صرخ صديقي بأعلى صوته ينادي صاحب الحفلة الذي اقترب منا هو يرحب بنا بحفاوة، ثم قال لي أخيراً حصل لي شرف معرفتك، ابتسمت قائلا ومن أين سمعت عني لتحب أن تتعرف إليّ؟ أجاب هل من المعقول ألا أعرف من سرق مني أعز أصدقائي فهم دائما معك، فقد تركوني وتبعوك، أحبوك أكثر مني، عدت أبتسم وأقول ولماذا لم تأت معهم لأتعرف إليك؟ قال ظروف، لكن من الآن وصاعدا أعدك بأننا سنرى بعضنا دائماً، وفعلا وفى بوعده فأنا عندما قال ذلك لم أفهم ما عنى لكن وبعد أن (أطاح الفأس بالرأس) فهمت كل شيء لكنني كنت غبيا عندها ولم أتوقع أن يفعل ما فعل وبمساعدة من أقرب صديق لي فقد كانوا يجهزون منذ البداية لإيقاعي بشراكهم، وأنا بكل غباء العالم وقعت بسهولة، تذكرت كلام والدي الذي كان دائما يقول لي لا تثق بأحد يا ولدي فقد أصبحنا بزمن يستغل واحد منا الآخر لتحقيق مآربه الشخصية، وهذا فعلا ما فعله صديقي الجديد بالاشتراك طبعا مع الباقين، فقد بدأوا بدس المخدر في شرابي قليلا قليلا، كنت مزهوا جدا بنفسي، حيث لا أشرب الكحول ولا أدخن السجائر، لا أرتكب المعاصي، صحيح أنني كنت أتكلم مع عدد كبير من الفتيات، لكنني لم أحاول أن أؤذي أحدا منهن حتى ولو بكلمة، وهكذا بدأت أصبح مدمنا دون أن أشعر، كنت أتوتر عندما يمر وقت طويل دون أن أكون معهم، فكنت استغرب حدوث ذلك، فهل حب الأصدقاء هو نوع من الإدمان؟ إذا لم أراهم أتوتر وأشعر بأن جسمي قد تخدر، شيء غريب كان يدفعني للاتصال بهم ومعرفة مكانهم لأتبعهم أينما كانوا، وفي يوم سألتهم لماذا لم تعودوا تتصلون بي كما كنتم من قبل؟ ولِمَ لمْ نعد نخرج كالسابق؟ قالوا لي للحقيقة أنت مختلف عنا، ولم نستطع أن نتأقلم معك، فأنت لا تشرب الكحول ولا تدخن ولا تدعنا نكون على راحتنا، كنت تمنعنا من التدخين ليس فقط في السيارة، بل في المطاعم مع أن رائحة المعسل تملأ المكان لذلك ابتعدنا. فاجأني كلامهم، والسبب الذي من أجله ابتعدوا عني، فقلت لهم حسنا افعلوا ما تريدون لكن أريد أن نعود كما كنا من قبل، إذاً تفعل ما نطلبه منك، لا تكن متزمتا هكذا اتفقنا؟ كان أول كوب أشربه خفيفا، لكنه مر بدا الاشمئزاز جليا على وجهي، ضحكوا مني وقالوا لا بأس كلنا كنا هكذا ستتعود طعمه وتحبه هيا اشرب لم أكن أعلم أنهم يدسون المخدر بكل كوب من الشراب، وهكذا لأسايرهم أصبحت مثلهم، أصبحت أعود إلى المنزل كل ليلة سكران أترنح من زاوية لأخرى، أتسلل كاللص كي لا يشعر بي أحد من أهلي، بدأت والدتي تشك بتصرفاتي وبالمال الذي أسحبه من حسابي في المصرف والذي كانت قد أودعته باسمي كهدية عيد ميلادي ولتشعرني باستقلالية مادية كالباقين، لكن تعلقي بالمخدرات كان يزيد يوما بعد يوم، وأدفع لهم المال ليبتاعوه لي إلى أن سحبت كل رصيدي وأخذت استدين المال من شقيقاتي، وعندما شعرن بذلك بلغن والدتي بالأمر، فأتت إلى غرفتي في الصباح توقظني لتتكلم معي، وما إن فتحت الستائر ودخل الضوء إلى عيني صرخت أقفلوا الستائر أريد أن أنام فغطيت وجهي باللحاف، اقتربت وسحبته قائلة قم الآن واتبعني إلى الصالة، قلت ليس الآن أريد أن أنام عادت لتقول بحزم الآن! معك خمس دقائق لتتبعني وخرجت. قمت أجر قدمي وأنا لا أرى أمامي. نزلت إلى حيث كانت فوجدتها غاضبة وتنظر إليّ باشمئزاز. قلت لها ماذا تريدين مني؟ قالت سامحني إن كنت قد أزعجتك يا صاحب السمو. أجلس بأدب وجاوبني، أنا هنا لأطرح الأسئلة وليس أنت.. أين تذهب كل يوم ولا تعود حتى بزوغ الفجر،